بعضهم يشتريها من هنا قبل الإقلاع ليريح دماغه.. وبعضهم لا يبالي
الهدايا تؤرق المسافرين..فهل تنتظر هديتك مــن مسافــر؟
الوقت - مي مطر:
‘’إلى أين ستسافرون هذا الصيف؟ ما هي استعداداتكم للسفر؟’’
قد يكون هذا السؤال اعتياديا للوهلة الأولى، إلا إنه يخفي في ثناياه الكثير..
ففي أحد محال التخفيضات الكبيرة، تدفع سيدة عربة بعد أن حمّلتها بالمشتريات التي تراوحت بين عدد كبير من ‘’سجادة الصلاة’’ وعدد ليس بالقليل من ألعاب الأطفال، حقيبة يد واحدة أو اثنتين، مع قليل من التحف الصغيرة. كانت الطريقة التي تختار بها الأشياء عشوائية لافتة، وكأنها تبحث عن عدد معين لا عن نوع بذاته. في يدها ورقة وقلم، ومكتوب في الورقة عدد من الأسماء، ومع كل شيء تحمله في عربتها كانت تضع علامة صح أمام كل سطر.
ابتسمتُ في وجهها فردت الابتسامة قائلة ‘’شنسوي نشتري هدايا قبل ما نسافر’’.. وإلى أين الوجهة؟.. إلى العمرة.. واستدركت السيدة ‘’حتى في العمرة الناس ينتظرون الهدايا’’.
‘’وأنتِ ألا تنتظرينها؟’’.. فأجابت ‘’أنتظرها ليس لأنني أريدها، بل لأن الهدايا اليوم أصبحت عرفا اجتماعيا، وعدم إهدائها إلى شخص معين يعني عدم تقديره’’.
هناك بعض من العادات التي تكون مصاحبة لنا اعتدنا القيام بها، وبسبب هذا الاعتياد بتنا لا ندرك غرابتها. ولعل شراءنا هدايا السفر من قبل السفر بحد ذاته، أحد هذه العادات الغريبة، فقد اعتاد الناس في الماضي أن يأتوا بالهدايا من الدول التي يذهبون إليها عندما كان السفر عزيزاً، ومن يسافر يأتي ليقص على الحاضرين ما شاهده وما سمعه لليالٍ طويلة، وهم يستزيدونه في كل مرة، وبالتالي، فإن الإتيان بأي تذكار من تلك الدول البعيدة كان أمراً محموداً يدل على أن المسافر تذكر أحبابه ومن يعزّون عليه في سفره.. ولكننا اليوم في بلداننا ومنتجات العالم كلها في أسواقنا، ولا شيء غريب - تقريبا - لا يمكن الحصول عليه والوصول إليه، كما أن السفر لم يعد ‘’حدثاً’’ لذاته، ومع ذلك، بقيت عادة انتظار ما تحمله حقائب المسافرين المنتفخة من الأمور التي لها حضورها وزهوتها.
واجه أو اهرب
تقول ليلى بوقيس ‘’إن هذه القضية لا تحتاج إلا إلى الجرأة في البداية، فالشخص يستطيع مواجهة أهله وأقاربه بأنه ليس مستعدا - بحسب موازنته - للسفر و’’شحن’’ الهدايا، ولذلك فعلى المسافر أن يختار أن يستمتع وأن ينسى ما أعتاد عليه الناس في شراء الهدايا، فاليوم الكل يسافر والكل يشتري من البلدان التي يتجه إليها، وإن لم يسافروا فإن جميع ما يجلبه المرء معه متشابه في كل بلد بفضل النشاط التجاري، وبالتالي بات غرض هدايا السفر مفرغاً من مضمونه’’.
أما احمد العلي فلا يجد في المواجهة الحل، بل يفضل الاختباء إذ يقول ‘’أحيانا أفضل السفر بهدوء، وأحرص على أن لا يعلم احد بسفري، كي لا ينتظر أحد مني شيئا’’، ويواصل ‘’في أول سفراتي كنت اشتري العديد من الهدايا من البلد المتجه إليه، ولكن منذ فترة وجيزة أدركت بأنني أحتاج إلى موازنة خاصة فقط للهدايا’’.
أم ريم، ربة منزل ووالدة لسبعة من الأبناء، تقول ‘’إن كلف الهدايا أحيانا تفوق كلف السفر في حد ذاته، لذا فأنا تركت هذه العادة منذ فترة طويلة، ولا آتي بالهدايا إلا في حالات معينة تقتصر على طبيعة المكان المتجهة إليه، فأحيانا يكون في هذا المكان بعض المشغولات اليدوية الجميلة وغير المتوفرة في الوطن وتكون بكلف متواضعة، في هذه الحالة فأنا آتي ببعض الهدايا’’.
‘’لا أؤمن بها ولا أعترف بها وأرفضها’’، هكذا عبرت لينا سامي عن رأيها في موضوع هدايا السفر، وتقول ‘’أنا باختصار لا أجلب الهدايا إلا لأمي، ولم اجعل أحد يعتاد على تلقي الهدايا من السفر مني، وباختصار إنها عملية تعوّد، فأنت تقرر أن تجعل الناس ينتظرون منك شيئا أم لا، لذا فعلى الإنسان أن لا يضعف أمام هذه التوقعات’’.
مشتروات ما قبل السفر
إن غرائب عادات السفر لا تقتصر فقط على هدايا السفر، بل هناك من الغرائب الكثير، فمن هذه الغرائب المتعلق بمشتروات ما قبل السفر، فنجد عدداً ليس بقليل من الأشخاص الذين يتكبدون شراء حقيبة جديدة للسفر مزودة بملابس وأدوات جديدة، فتصبح المعادلة إن المبلغ المصروف قبل السفر يساوي أو يضاهي المبلغ المخصص للرحلة ذاتها.
وهذا عينه ما قالته حنان يوسف رجب التي أوضحت ان هذا الموضوع هو ما تعاني منه قبل كل رحلة سفر تقوم بها، تقول ‘’هذه العادة أتمنى التخلص منها إلا أنني أواجه مشاكل كبيرة جدا، أقرر ألا أقوم بشراء أي قطعة، أمسك نفسي حتى يوم من تاريخ السفر، فأنفجر وأقوم بشراء حاجيات تفوق حاجتي، أستخدم بعضها، وأهمل البعض الآخر’’.
ومن الأشخاص من امتنع عن السفر وله أسبابه، يوسف رشيد يقول ‘’أنا لا أحب أن أسافر، فالسفر خداع، فهو يخدع الإنسان ويضعه في ضائقة مادية حرجة، فالأول، تضطر لأخذ إجازة أحيانا تكون بلا راتب، وبعدها تجهز حقيبة السفر بما غلا سعره، تشتري التذكرة وتحجز الفندق وتعتقد ان هذا كل شيء فتفاجأ بالواقع، مصاريف الحياة، الهدايا، رغبتك الشخصية في التسوق، كلف الرحلات التي تقوم بها، إلى أن ترجع الوطن وتعيش حالة من الإفلاس القاتل لفترة طويلة’’، ويضيف ‘’والمؤلم عندما تقرأ إعلانات السفر والسياحة (سافر بمئتي دينار)’’.
عادات غريبة جدا نقوم بها أحيانا بغير وعي وأحيانا أخرى بوعي كامل، فمنا ومن المؤكد من يقوم بهذه العادات وهو يدري وعلى علم كامل بمدى لا معقولية ما يقوم به إلا إنه أحيانا أخرى يواجه بسطوة المجتمع أو سطوة نفسه التي تمنعه من التراجع عن هذه الغرابة. بين دائرة النفس أو دائرة المجتمع، يحصر الأشخاص أنفسهم ولتنتج في هذا السياق، غرائب الناس في السفر.